أولا: تاريخ القدس القديم في الفترة العربية
الكنعانية 1800-1000ق.م.
مدينة أورشليم عربية المنشأ والتطور فقد أسسها العرب الكنعانيون الذين سكنوا فلسطين في الألف الثالث قبل الميلاد، وقد قدم إليها العرب الساميون في هجرتين كبيرتين الأولى في بداية الألف الثالث قبل الميلاد، والثانية في بداية الألف الثاني قبل الميلاد، والمؤكد أنه عندما قدم الإسرائيليون إليها في القرن الثاني عشر قبل الميلاد كان الشعب الموجود أصلا شعبا عربيا أخذ منه الإسرائيليون لغته ومظاهر كثيرة من ديانته وحضارته.
يعود أقدم أثر يحمل اسم مدينة أوروسالم إلى الفترة ما بين 2000ق.م.-1900ق.م.، وقد عثر على هذه القطعة الأثرية عام 1926م ويظهر الاسم مرة أخرى في إحدى الرسائل التي تم اكتشافها ضمن مجموعة من الألواح عام 1887 في تل العمارنة في مصر الوسطى، وتعود هذه الألواح إلى عام 1350ق.م. وفي هذه الرسائل يرد اسم ملك أورشليم عبد خيبا الذي وجه هذه الرسائل إلى فرعون مصر أمنحوتب الرابع أحد ملوك السلالة الثامنة عشرة والمعروف باسم أخناتون الداعي إلى التوحيد والذي حكم من 1375-1358ق.م. وفي هذه الرسائل يطلب ملك أورساليم عبد خيبا المساعدة من ملك مصر في صد هجمات أهل البادية "الخبيرو" وهم العبريون، ويقول نص الرسالة في جزء منه: "إن هذه الأرض، أرض أوروسالم، لم يعطني إياها أبي وأمي، ولكن أيدي الملك القوية هي التي ثبتتني في دار آبائي وأجدادي، ولم أكن أميرا بل جنديا للملك وراعيا تابعا للملك.. منحت ملكية الأرض أوروسالم إلى الملك إلى الأبد ولا يمكن أن يتركها للأعداء".
وتشير هذه الآثار والوثائق إلى أن المدينة عرفت بالاسم أوروسالم منذ بداية الألف الثاني قبل الميلاد، وتؤكد كتب العهد القديم هذا الاستخدام للاسم أوروسالم في وقت مبكر يعود إلى بدايات الألف الثاني قبل الميلاد.
فقد ورد لأول مرة في سفر التكوين من التوراة في الروايات المرتبطة بإبراهيم عليه السلام حيث يذكر النص التوراتي اسم ملكي صادق ملك شاليم، الذي كان في استقبال إبراهيم عليه السلام بعد أن عاد من معركة خلص منها قومه ومن بينهم لوط من الأسر حيث يبارك ملكي صادق إبراهيم "فخرج ملك سدوم لاستقباله بعد رجوعه.. وملكي صادق ملك شاليم أخرج خبزا وخمرا، وكان كاهنا لله العلي وباركه وقال مبارك إبرام من الله العلي مالك السماوات والأرض، ومبارك الله العلي الذي أسلم أعداءك في يدك".
ويتضح من هذا أن الاسم أورشليم الذي أصبحت المدينة تعرف به من بين أسماء متعددة اسم عربي كنعاني، وليس اسما عبريا كما يتبادر إلى الذهن، فقد تم تداول هذا الاسم منذ بداية الألف الثاني قبل الميلاد قبل أن يظهر العبريون، وقبل أن تعرف اللغة العبرية في التاريخ، فالكلمة عربية كنعانية ويشير الدكتور أحمد سوستة إلى ضرورة الاعتزاز بهذه التسمية فهي ليست تسمية يهودية كما يدعي اليهود، وقد أورد شعرا جاهليا للأعشى قيس استخدم فيه التسمية أوريشليم، وفي هذا يقول د. حسن ظاظا :"اسم أورشليم ليس عبريا أصيلا، فقد كانت تحمل هذا الاسم قبل دخول العبريين إليها بشهادة نص تل العمارنة، وبدليل أن اليهود وجدوا صعوبة في كتابة اسمها باللغة العبرية "يروشالايم" فهذه الياء الواقعة قبل الميم الأخيرة لم تكن تثبت في الكتابة العبرية، وقد كتبت بدونها في أسفار العهد القديم 606 مرة وكتبت بها ست مرات فقط، ولذلك نص علماء التلمود على وجوب كتابتها بلا ياء (التوسفتا، كتاب الصوم تعنيت16/5)".