نسخة من مسودة العريضة النيابية التي اعدتها المعارضة ضد رئيس «الحكومة» فؤاد السنيورة والوزراء غير المستقيلين في حكومته لخرقهم الدستور من جهة، والإخلال بالموجبات المترتبة عليهم من جهة اخرى، طالبة بالتالي إحالتهم الى التحقيق ومن ثم على المحاكمة أمام المجلس الأعلى. واستندت العريضة الاتهامية التي ستقدم لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، إلى خرق السنيورة وفريقه الوزاري للمادتين 52 و56 من الدستور في معرض الاتفاق الجاري بين الدولة اللبنانية والامم المتحدة بشأن المحكمة الخاصة ذات الطابع الدولي، التي اكدت حق رئيس الجمهورية في تولي المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها مع رئيس الحكومة، إضافة الى خرق المادة 95 من الدستور معطوفة على الفقرة «ي» من مقدمته التي نصت على أن تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة.
كما أعلنت العريضة عن خرق تم في المادتين 19 و57 في ما يتعلق بالمجلس الدستوري، والمواد 83 وما يليها من الدستور، والمادة 17 وما يليها من قانون المحاسبة العمومية، إضافة إلى خرق المادتين 49 و53 وأصول التعامل الدبلوماسي الرسمي مع رئيس الجمهورية، وأخيراً خرق القواعد الدستورية والقانونية الرامية لقبول استقالة الوزراء وتعيين وكلاء عنهم.
ودعت العريضة المجلس النيابي الى جلسة خاصة عاجلة لإجراء المقتضى وضعاً للأمور في نصابها الدستوري السليم. وهنا نصها:
دولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري المحترم
المستدعون: النواب السادة:
المستدعى ضدهم: دولة الرئيس الأستاذ فؤاد السنيورة وأعضاء حكومته: احمد فتفت، محمد الصفدي، مروان حمادة، نائلة معوض، غازي العريضي، جهاد أزعور، ميشال فرعون، شارل رزق، خالد قباني، نعمة طعمة، طارق متري، جان أوغاسبيان، جوزف سركيس، سامي حداد، الياس المر، حسن السبع.
الموضوع: خرق احكام الدستور اللبناني، والإخلال بالموجبات المترتبة عليهم.
المرجع: المادة 70 من الدستور معطوفة على المواد 18 و19 و22 من القانون رقم 13 تاريخ 18/8/1990 المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
بالإشارة الى الموضوع والمرجع المبينين اعلاه، يتشرف النواب الموقعون ادناه بالطلب الى دولتكم دعوة المجلس النيابي الكريم الى جلسة خاصة من أجل الموافقة على اتهام دولة الرئيس الأستاذ فؤاد السنيورة والسادة الوزراء غير المستقيلين في حكومته بخرق الدستور من جهة، والإخلال بالموجبات المترتبة عليهم من جهة اخرى، وإحالتهم بالتالي الى التحقيق ومن ثم على محاكمة أمام المجلس الأعلى، وذلك:
1ـ لأنهم خرقوا المادتين 52 و56 من الدستور في معرض الاتفاق الجاري بين الدولة اللبنانية والأمم المتحدة بشأن المحكمة الخاصة ذات الطابع الدولي.
أولاًـ فلقد نصت المادة 52 من الدستور صراحة على ان يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة، ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء... اما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، فلا يمكن إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب.
وهــذا يعنــي ان التــفاوض (négociation) ومن ثم التوقيع (signature) يتولاها رئيس الجمهورية، شخصياً او بواسطة من يفوضه ذلك رسمياً من بين الوزراء (عادة وزير الخارجية) او من السفراء المعتمدين لهذه الغاية عند الاقتضاء. وبعد أن تتم هاتان المرحلتان الأساسيتان، يأتي دور رئيس الحكومة ومن ثم دور مجلس الوزراء. أي أنه بعبارة اخرى، لا يجوز لرئيس الحكومة، ولا لمجلس الوزراء أن يضعا يدهما على مشروع المعاهدة او الاتفاق الدولي، وأن يمارسا دورهما وفق المادة 52 هذه، إلا بعد ان يكتمل دور رئيس الجمهورية على النحو المذكور، وفقط إذا قرر هو إطلاق عملية الإبرام (ratification). وفي النهاية، تحال المعاهدة الى مجلس النواب بمرسوم متخذ في مجلس الوزراء يشارك في التوقيع عليه الى جانب رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة الوزير أو الوزراء المختصون (المادة 54 من الدستور).
ولا يرد على ذلك بأن المادة 52 تحدثت عن المفاوضة فقط، وهي لا تشمل إذاً التوقيع طالما انها لم تذكره صراحة.
فالاجتهاد الدستوري يعتبر أن مجرد النص على أن رئيس الجمهورية يتولى المفاوضة، يستتبع حكماً صلاحية التوقيع او التأشير (paraphe) على المعاهدة بنفسه او عبر من يفوض إليه ذلك رسمياً، باعتبار انه في نهاية التفاوض، لا بد للمفاوض من التوقيع في حال الموافقة.
"Pour l"inclusion du pouvoir à signer, il peut être avancé que la compétence pour négocier un traité, inclut naturellement la compétence pour signer puisque l"issue normale d"une négociation est la signature (ou le paraphe) du texte par le négociatuer habilité".
- Philippe Manin, Des traités et accord internationaux, en "La Constitution de la République française, 2?., p. 1003-
وعليه، ودائماً بحسب الاجتهاد الدستوري، فإن اي معاهدة، من اي نوع كانت، لا يمكن ان يكون لها مفعول او قوة قانونية في الداخل، الا اذا تم نشرها بعد إبرامها، في الجريدة الرسمية بمرسوم صادر عن رئيس الجمهورية وفقاً للأصول المار ذكرها.
"...l"on doit rappeler qu"un accord international de quelque type qu"il soit, ne peut avoir d"effet en droit interne qu"à la condition d"avoir été publié au journal officiel par un décret du Président de la République. Ceci ne résulte pas de la Constitution, mais de la jurisprudence". Ibidem, p. 1003-
ثانياً ـ فما الذي حصل عندنا؟
بكل أسف، اقدم دولة الرئيس فؤاد السنيورة وحكومته الفاقدة المشروعية الدستورية والميثاقية، على انتهاك وخرق هذه الأصول والصيغ الدستورية الجوهرية (formalités substantielles) فقاموا هم مباشرة بالمفاوضة والتوقيع والإبرام الاولي (اي في مجلس الوزراء)، متجاهلين عمداً وعن سوء نية دور وصلاحيات رئيس الجمهورية، خلافاً لمنطوق المادة 52 أعلاه، ومتذرعين بدون وجه حق، بالمادة 56 من الدستور، وعلى النحو التالي:
ـ أعدوا مشروع قانون مرفقاً بمشروع مرسوم بإحالته على مجلس النواب، وأحالوه الى رئيس الجمهورية.
ـ اعترض فخامة الرئيس على ذلك ورفض التوقيع نظراً لعدم دستورية هذا المشروع وأعاده الى رئيس مصدره.
ـ اصرّ مجلس الوزراء (!!!) على المشروع وصدقه ومن ثم نشر في الجريدة الرسمية (كذا !!!).
ثالثاً ـ من الواضح ان تصرف الرئيس فؤاد السنيورة مع وزرائه المسمين أعلاه على هذا النحو يشكل بالتأكيد اغتصاباً للسلطة (usurpation de pouvoir) فالمادة 56 من الدستور غير قابلة للتطبيق هنا، لأن الصلاحية ليست اصلاً في يد مجلس الوزراء ولا يجوز له بالتالي اتخاذ أي قرار من هذا النوع. والاجتهاد والعلم متفقان على أنه عندما يكون هناك اغتصاب للسلطة، فإن العمل المشوب به يكون منعدم الوجود (Inexistant) ولا مفعول له البتة (nul et de nul effet).
رابعاً ـ وهكذا يكون الرئيس فؤاد السنيورة وحكومته قد خرقوا الدستور لهذه الجهة، وهما يتحملان إذا المسؤولية الكاملة عن هذه المخالفة الخطيرة.
2ـ لأنهم خرقوا، أيضاً وأيضاً، المادة 95 من الدستور، معطوفة على الفقرة «ي» من مقدمته.
أولاً ـ فلقد نصت المادة 95 من الدستور صراحة على أن «تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة».
ولقد شكلت هذه المادة، منذ وضعها في صلب الدستور اللبناني، وما زالت، حجر الزاوية وصمام الأمان للعيش المشترك بين ابناء كل الطوائف، وضمانة لسيادة الوطن وسلامته وطمأنينة بنيه دون استثناء.
"...l"article 95 a constitué, depuis la clef de voûte de l"entier édifice de l"Etat"-
-E. Rabbath, "La Constitution libanaise..." 1982., p 518-
ثانياً ـ ومعلوم أن الدستور اللبناني باتت له «مقدمة» (Préambule) وضعت بمناسبة التعديلات الدستورية الجارية بتاريخ 21/9/1990 في أعقاب اتفاق الطائف، وتضمنت كل المبادئ الأساسية الضامنة للحريات والحقوق العامة ذات البعد الوطني السليم، ومنها الفقرة «ي» التي جاء فيها صراحة أنه «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك».
وهذا يعني بكل بساطة أنه، بعد تقديم كل الوزراء الذين يمثلون الطائفة الشيعية الكريمة استقالتهم الخطية من الحكومة، باتت هذه الأخيرة بالتأكيد فاقدة مشروعيتها الدستورية والميثاقية، قانونياً وفعلياً وشعبياً، وباتت بالتالي كل دعواتها واجتماعاتها ومداولاتها وقراراتها معيوبة وباطلة.
ثالثاً ـ وبدلاً من أن يبادر الرئيس فؤاد السنيورة الى تقديم استقالته إيذاناً باستقالة الحكومة (المادة 69 من الدستور)، حرصاً على سلامة لبنان ورفقاً بشعبه وباقتصاده، عمد بالعكس إلى التشبث بالبقاء، معرضاً البلاد والعباد للتسيب والانهيار، منتهكاً إرادة الشعب الذي هو بالنتيجة «مصدر السلطات وصاحب السيادة، على نحو ما جاء صراحة من الفقرة «د» من مقدمة الدستور ذاتها. وهكذا تحولت حكومته الى «حكومة الأمر الواقع» أو إلى حكومة «فعلية» ساقطة دستورياً وشعبياً، وذات مردود تعيس جداً، وسلبي جداً، وغير قانونية بامتياز.
"...L"expression(gouvernement de fait) pour être courante n"est cependant pas très heureuse. On ne peut guere en donner qu"une définition toute négative, celle d"un pouvoir qui n"a pas de droits consacrés et reconnus par une loi positive. On caractérise ainsi le "régime de fait" par opposition au régime "de droit"
- Marce Prélot, J. Borelouis, Institutions politiques et droit constitutionnel, 11?éd, .1990 p .204 n?104-
3ـ لأنهم خرقوا كذلك المادتين 19 و57 (المجلس الدستوري):
أولاً ـ فالمادة 19 من الدستور قضت بإنشاء مجلس دستوري... ومن ثم انشئ هذا المجلس فعلاً بموجب القانون رقم 250 تاريخ 14/7/.1993
وبات كل الشعب اللبناني يعلم قصة هذا المجلس ونهايته التعيسة على يد دولة الرئيس فؤاد السنيورة ووزرائه.
فهو بعد أن امتنع قصداً وعمداً عن تعيين العضوين المناط به تعيينهما في المجلس الدستوري تسبب بتعليق عمل المجلس فور تسلمه الحكم، بموجب قانون طبقاً، وبعد أن أبطل هذا القانون لدى الطعن فيه أمام هذا المجلس، لعدم دستوريته الفاضحة، عاد الرئيس فؤاد السنيورة وأصر على تشجيع مخالفة الدستور اكثر فأكثر، إذ عمد هذه المرة الى فتح باب استصدار قانون آخر «يعطل» المجلس هذه المرة نهائياً عن طريق إنهاء ولاية رئيسه وكل اعضائه دون استثناء، وأيضاً إلغاء تعيين الأعضاء الثلاثة من قبل مجلس النواب سابقاً، كل ذلك للحؤول دون بت الطعون الانتخابية والدستورية المقدمة، بما فيها الطعن في القانون الأخير المنعدم الوجود.
ثانياً ـ ذلك انه، بمقتضى احكام المادة 57 من الدستور إذا قرر رئيس الجمهورية إعادة قانون الى مجلس النواب لإعادة النظر فيه، وأصر عليه مجلس النواب، فإنه يقتضي لنشره وفقاً للأصول واعتباره نافذاً، إصداره من قبل الرئيس بمرسوم (promulgation) وفقا للأصول.
فماذا فعل دولة الرئيس السنيورة؟
هنا أيضاً خرق الدستور، اذ اعتبر القانون نافذاً حكماً ونَشَره بدون توقيع رئيس الجمهورية، خلافاً لمنطوق المادة 57 المشار إليها.
ولا يزال المجلس الدستوري معطلاً بشكل تام ومطلق حتى اليوم، ولا تزال الطعون المحقة تنتظر الفصل فيها عبثاً. وهذا يعني بالتأكيد ايضاً، تعطيل المادة 19 من الدستور وتعطيل القوانين ذات العلاقة بها مع ما يترتب على ذلك من عرقلة لعجلة المرفق القضائي الدستوري لأغراض سياسية وفئوية بحتة.
4ـ لانهم خرقوا المادة 83 وما يليها من الدستور، والمادة 17 وما يليها من قانون المحاسبة العمومية.
أولاًـ فالمادة 83 من الدستور تقضي بأنه على الحكومة ان تقدم لمجلس النواب «كل سنة في بدء عقد تشرين الاول... موازنة شاملة نفقات الدولة ودخلها عن السنة القادمة...».
وتأسيساً على ذلك، تقضي المادة 17 وما يليها من قانون المحاسبة العمومية بأن يقدّم وزير المالية مشروع الموازنة إلى مجلس الوزراء قبل أول ايلول من كل سنة، على ان يقرّ هذا الاخير المشروع في صيغته النهائية ويودعه السلطة التشريعية ضمن المهلة المحددة اعلاه في الدستور، مشفوعاً بتقرير مفصل لوزير المالية عن الحالة الاقتصادية والمالية في البلاد، وعن المبادئ التي اعتمدتها الحكومة في مشروع الموازنة (المادة 8).
ثانياًـ فأين دولة الرئيس السنيورة وحكومته من هذه الاحكام الصريحة الملزمة؟
طبعاً، الموقف سلبي بامتياز!! فلا بالأمس، ولا اليوم، كلفت نفسها هذه الحكومة ولو بإعداد مشروع للموازنة، فارضة على البلاد والعباد العيش على «بركة» القاعدة الاثني عشرية منذ ما يقارب السنتين، علماً بأن هذه القاعدة هي، بحسب قواعد التشريع المالي، ذات طابع استثنائي حصري ومؤقت لمدة لا يجب ان تتعدى مبدئياً نهاية شهر كانون الثاني من كل سنة (المادة 86 من الدستور).
وبذلك يكون دولة الرئيس السنيورة قد حوّل، من خلال هذا خرق الدستور، القاعدة الى استثناء، والاستثناء الى قاعدة، وعطل رقابة السلطة التشريعية ومعها رقابة ديوان المحاسبة المؤخرة (القضائية) على الحسابات، وحال دون صدور قانون بقطع الحساب السنوي المفروض بموجب المادة 87 من الدستور ايضاً التي تنص حرفياً على الآتي:
«إن حسابات الإدارة المالية النهائية لكل سنة يجب ان تعرض على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة التالية تلي تلك السنة..»، مع الاشارة الى ان مجلس النواب يعتمد في كل ذلك بصورة اساسية على رقابة ديوان المحاسبة الغائبة بغياب الموازنة.
ولعل هذه المخالفة للدستور وللقانون على حد سواء، هي أخطر وأدهى المخالفات التي يمكن ان ترتكب في حق لبنان، مالياً واقتصادياً.
5ـ لأنهم خرقوا المادتين 49 و53 من الدستور وأصول التعامل الدبلوماسي الرسمي مع رئيس الجمهورية.
أولاًـ فالمادة 49 تنص صراحة على ان «رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن...».
وتقضي المادة 53 ـ فقرتها 7 ـ بأن رئيس الجمهورية هو الذي «يعتمد السفراء ويقبل اعتمادهم».
ثانياًـ ومجمل النصين يفيد أن رئيس الجمهورية هو وحده الذي يجسّد كرامة الوطن، وهو مصدر الحصانة الدبلوماسية التي يتمتع بها السفراء الأجانب المعتمدون في لبنان.
"Le terme de lettres de créance désigne le document signé par le chef de l"Etat du pays d"envoi qui accrédite un agent diplomatique auprès du chef de l"Etat".
Ch. Rousseau, Dt. International public, tome IV, p. 157.
وهذا يرتب، بمقتضى الدستور ومعاهدة فيينا، وبحسب الاجتهاد، على السفراء المعتمدين في لبنان، موجباً اساسياً هو:
ـ عدم التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، من جهة،
ـ وعدم تجاوز رئيس الدولة بالدرجة الاولى، من جهة ثانية، في كل ما يريدون بحثه في مجال العلاقات بين دولتهم ولبنان، وعدم اللجوء الى من هم دونه، أياً تكن مكانتهم وصفتهم، إلا بعلمه وموافقته ـ فهذا المبدأ بات عمره اليوم زهاء قرنين من الزمن.
"Dans leurs réclamations officielles, les agents diplomatiques ne doivent pas s"adresser... à une autorité subordonnée, qu"elle soit d"ordre politique, administratif, religieux ou syndical. Ce principe a été affirmé il y a un siècle et demi...".
Ch. Rousseau, op. cit., p. 167
ثالثاًـ فما الذي يفعله دولة الرئيس السنيورة ووزراؤه؟
بكل أسف، هنا ايضا تعمّد دولته وحكومته الفاقدة شرعيتها الدستورية والميثاقية، خرق هذه الاحكام والمواثيق في السر والعلن، والطعن في شخص رئيس الدولة، وراحوا يشجّعون، لا بل يدعون السفراء والشخصيات الرسمية الأجنبية التي تزور لبنان، إلى تجاهل رئيس الجمهورية ومقاطعته.
واكثر من ذلك، بات الرئيس السنيورة يعتبر نفسه قابضاً على سدة الرئاسة وكالة، حسبما نصت عليه المادة 62 من الدستور، وكأن منصب رئاسة الجمهورية بات شاغراً!!!
فهو لا يتوانى عن دعوة واستقبال رؤساء الحكومات والوزراء الاجانب على ارض لبنان، والتباحث والتفاوض معهم، وكأنه هو لا غيره يرأس البلاد ويتكلم باسمها.
أفلا يشكل ذلك خرقا فاضحا للدستور وكل القواعد والمبادئ الدستورية والمواثيق الدولية المار ذكرها؟
6 ـ ولأنهم أخيراً لا آخر خرقوا القواعد الدستورية والقانونية الرامية لقبول استقالة الوزراء وتعيين وكلاء عنهم.
أولاً ـ فمن المعلوم ان السيد الوزير حسن السبع قدم استقالته من الحكومة، طوعاً وخطياً، وبقي عشرة اشهر متواصلة، ملازماً منزله ومثابراً على تقاضي تعويضاته كاملة، ومن ثم عاد مؤخراً عن استقالته وتسلّم الوزارة وكأن شيئاً لم يكن!!
ومعلوم ايضا ان الوزير الدكتور أحمد فتفت تسلّم منذ ذلك الوقت وزارة الداخلية بالوكالة ومارس فيها كل صلاحيات الوزير الأصيل.
ثانياًـ ومن المسلّم به، علماً واجتهاداً، ان الوكالة لها طابع مؤقت، ولا يمكن ان تتجاوز مدة معقولة ((Un délai raisonnable لا تتعدى الشهر الواحد او الشهرين على أبعد تقدير في حال عدم وجود نص دستوري او تشريعي بهما كما هي الحال هنا.
"...L"intérim a toujours un caractère temporaire"
Ch. Debbasch, Contentieux administratif, 8ème ed., .2001 p.792
والوكالة ايضاً، لكي تكون مشروعة بحد ذاتها، يجب ان يفرضها ظرف استثنائي وان يكون الوزير الأصيل في حالة تعذر (Empêchement) يستحيل فيها عليه ممارسة صلاحياته بشكل طبيعي ومنتظم (مرض عضال ـ حالة حرب ـ غياب قسري طويل... الخ)، والا فانها تكون غير مشروعة.
ثالثاًـ فما الذي حصل؟
أـ تجاهل الرئيس فؤاد السنيورة، بل تعمّد عدم بت الاستقالة وفقاً لمنطوق المادة 53 من الدستور (الفقرة 4 منها) التي يفهم من مجملها انه بعد تقديم الاستقالة الخطية، وضمن المدة المعقولة السالف ذكرها، يجب ان تقبل بمرسوم يوقعه الى جانب رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة وحده.
وبالتالي كان يتوجب على الرئيس السنيورة ان يعمد الى تحضير مشروع مرسوم بهذا المعنى واستكمال إصداره على النحو المذكور.
ووفق المنطق الدستوري المسؤول، كان يجب على الرئيس السنيورة، من باب اولى، وبعد مرور كل هذه المدة على استقالة الوزير السبع وملازمته منزله، ان يرفض عودته الى الوزارة وان يعتبره، بموجب مرسوم من النوع ذاته ايضاً، مُقالاً من منصبه.
ب ـ أما وانه لم يفعل، فإنه يكون قد تجاوز حد سلطته بشكل فاضح لم يسبق له مثيل.
وفي جميع الاحوال، إن كل القرارات والتدابير التي اتخذها الوزير الوكيل، بينما الاصيل موجود، وفي حالة طبيعية على ارض لبنان، تعتبر فاسدة وباطلة على نحو ما استقر عليه اجتهاد مجلس شورى الدولة بالموضوع.
وفي كل ذلك خرق فاضح للدستور وإخلال بالموجبات المترتبة على هذه الحكومة، رئيساً وأعضاء غير المستقيلين.
لكل هذه الأسباب
ولما قد ندلي به لاحقاً
نرجو من دولتكم دعوة المجلس النيابي الكريم الى جلسة خاصة عاجلة لإجراء المقتضى وفقاً لما تقدم بيانه، وضعاً للأمور في نصابها الدستوري السليم.