كتب ابراهيم الأمين
معلومة أولى:
«الإدارة الأميركية في حالة جنون، ويمكن أن تقوم بأي شيء، وهي ستقوم بأي شيء». هذه العبارة سحبت على عجل قبل أيام من تقرير خاص بعثت به موسكو إلى عواصم معنية بالقوى المواجهة للاحتلال الأميركي في العراق ولإسرائيل. وهو كلام سبق أن شرحه الروس مباشرة لجهات معنية قبل مدة في إطار الحديث عن استعداد أميركي مفتوح لشنّ حروب أكبر في المنطقة، وإن هاجس التخلص من إيران وسوريا وقوى المقاومة لم يعد هاجساً إسرائيلياً فحسب، بل هو هاجس أميركي في الأساس.
معلومة ثانية:
تلقّت قوى المقاومة الفلسطينية قبل أسبوع من اغتيال الشهيد عماد مغنية معلومات عن إنشاء لجنة أميركية ـــــ إسرائيلية تضم رؤساء أجهزة أمنية مركزية في تل أبيب وواشنطن، ومستشارين سياسيين بينهم شخصيات رئيسية في الحكومتين الأميركية والإسرائيلية. وهذه اللجنة تعمل على إطلاق مرحلة متقدمة من مشروع مواجهة سوريا وإيران والمقاومة في فلسطين ولبنان والعراق. ناقل المعلومات تحدث عن برنامج عمل، على رأسه اغتيال شخصيات رئيسية، يعتقد الأميركيون والإسرائيليون أن غيابها يسهل المراحل التالية من المشروع.
معلومة ثالثة:
قبل بضعة أسابيع، أوفدت دولة عربية تعاني مشكلات جدية في لبنان، شخصية أمنية ـــــ دبلوماسية لاستطلاع الموقف، والتقت شخصيات رئيسية في فريق السلطة، ثم اتصلت بقوى من المعارضة، وقبل مغادرتها طلبت الاجتماع إلى جهة غير لبنانية تربطها صلات بحزب الله لأجل تحقيق تواصل لم يتم. لكن هذه الشخصية أصرت على نقل رسالة مقتضبة، فيها: هناك قرار كبير بتصفية عدد من الشخصيات الأساسية في حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي في كل من بيروت ودمشق.
معلومة رابعة:
تلقت المراجع المعنية في بيروت تقريراً لافتاً عن تفاصيل تتعلق بأعمال تدريب أمني وعسكري ناشطة في الأردن، وفيها معلومات عن أسماء لمعسكرات التدريب وأسماء الضباط المشاركين في التدريبات التي ركزت على دروس ذات بعد أمني، وتقاطعت هذه المعلومات مع نتائج تحقيقات سابقة في جرائم اغتيال تعرض لها مقاومون فلسطينيون في سوريا، وأظهرت أسماء ضباط أردنيين متورطين في جمع معلومات عن هؤلاء المقاومين.
معلومة خامسة:
نقل مصدر موثوق في الرئاسة الفلسطينية في رام الله معلومات عن استئناف الاتصالات بين جهة لبنانية وإسرائيل، وعن أن بعض الدعم اللوجستي بدأ يرد إلى هذه الجهة من طريق مناطق الحكم الذاتي الكردية في العراق، وأن عدداً من العاملين في الشركات الأمنية الأميركية في العراق باتوا يؤدون دوراً يتجاوز حدود المهام الموكلة إليهم هناك.
معلومة سادسة:
أبلغت شخصيات غادرت حديثاً مواقعها في جهاز الاستخبارات الفرنسية جهات عربية نافذة معلومات عن تدهور مرتقب ومدروس للأوضاع في لبنان، واحتمال حصول عمليات تفجير في سوريا من النوع الذي يشيع مناخات من الفوضى والتململ وعدم الاستقرار. وقالت هذه الشخصيات إن مشاريع قرارات بعقوبات متنوعة ضد سوريا سوف تكون جاهزة قريباً أمام مجلس الأمن الدولي، أو أمام دول أوروبية والولايات المتحدة، وإن الأشهر الستة المقبلة ستشهد سخونة ربما قلبت الأمور رأساً على عقب.
كان لا بد لشخصية معنية من أن تعيد لملمة أوراقها ومراجعتها بعد جريمة اغتيال مغنية: «ليس الحدث عادياً، ولا هو متصل بصراع موضعي بين إسرائيل والمقاومة. صحيح أن مغنية هدف دائم، لكن التجربة تقول إن اغتيال قادة من مستوى معيّن لا يحتاج إلى مصادقة مسبقة، وفي حالة الحاج رضوان، هناك حاجة إلى مصادقة من المستوى السياسي وحتى إلى مشاورة الجانب الأميركي، لا تحاشياً لردود الفعل فحسب، بل لوضع هذه العملية في سياقها».
وتلفت هذه الشخصية إلى أن ما أعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خلال تشييع مغنية كان ضرورياً للفت العدو القريب والبعيد إلى أن تيار المقاومة يعرف في أي سياق حصل اغتيال مغنية، وبالتالي فإن الرد سيكون في السياق نفسه، بمعنى أن رد المقاومة لن يكون في أي حال من الأحوال من النوع الذي ينتهي عند حدود الانتقام كما يفترض كثيرون، وذلك ربطاً بأمر استراتيجي يتعلق بتوازن الردع الذي قام لفترة طويلة بين المقاومة وإسرائيل. ومثلما ترى إسرائيل أنها صاحبة الحق في إعادة الاعتبار إلى مفهوم الردع من خلال معاقبة من تفترضه مسؤولاً عن أرقها وتعبها، فإن المقاومة معنية أكثر بكسر هذه القاعدة والقول بأن إنهاك العدو وإرباكه وتعطيل قدراته هي جزء من توازن الردع معه.
وبحسب هذه الشخصية، فإن صمت المقاومة يعني تسليماً بقواعد جديدة تعني عملياً شل قدرة المقاومة، وهو أمر لن يحصل لأسباب عدة أبرزها أن المعركة لم تتوقف، وعدم توقفها هو قرار إسرائيلي في الأساس، وبالتالي سوف تكون المقاومة أمام مهمة تثبيت ما حققته من قواعد، حتى لو تطلّب ذلك أن تعمل بطريقة مختلفة عما تعوّده أهلها أو أعداؤها. وتلفت هذه الشخصية إلى أمر جديد، هو أن الترابط والتواصل الكبيرين القائمين بين قوى المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، والتحولات الجدية التي طرأت على سلوك القيادة العسكرية السورية بعد انتصار تموز 2006، كان سبباً رئيسياً في قرار إسرائيل وأميركا تصفية الشهيد مغنية، وبالتالي فإن هذا التحالف يجد من الضروري أن يكون رده موحداً، وضمن سياق متصل بحماية نتائج حرب تموز التي كان لها أثرها الكبير في لبنان وفلسطين والعراق، وليس منطقياً توقع ردة فعل مختلفة من هذا التحالف، رغم التهويل الذي تقوم به حكومات وأجهزة ووسائل إعلام.
وفي رأي هذه الشخصية المعنية دخلت المنطقة مرحلة جديدة، ويصعب من الآن توقع ما هو آتٍ في القريب أو في المدى المتوسط، لكن من المؤكد أن ما كان قبل اغتيال مغنية لن يشبه ما هو بعده.
يقول الرواة إن السيد نصر الله توجه ليل الرابع عشر من شباط إلى روضة الشهيدين. جلس عند قبر عماد مغنية، قرأ الفاتحة وقال له: «لا تحتاج مني إلى قَسَم، لن نترك لهم مجالاً لكي يندموا على جريمتهم!».
المصدر: صحيفة الأخبار اللبنانية 19/2/2008